رسائل إلى شاعرة

في يوليو 1846، التقى الكاتب الشاب “غوستاف فلوبير” الذي لا يتجاوز ربيعه الخامس والعشرين، بالشاعرة والمترجمة الشهيرة “لويز كوليه”، داخل ورشة صديقهما المشترك النحات “جيمس برادييه”، ومذ ذاك، رمى كيوبيد سهام الحب في قلب فلوبير الذي اختار لويز، الشاعرة المعروفة التي تكبره بأحد عشر عاما، حبيبة وملهمة، لويز التي لا ريب في أنه كما اعترف لها: “لم يحب ولن يحب أبدا امرأة مثلما أحبها”..
في هذه الرسائل أحادية الصوت، نتعرف على وجه آخر للروائي الخالد غوستاف فلوبير، نقترب أكثر من جانبه الإنساني، من عفويته، مخاوفه، أحلامه، آرائه الأدبية والحياتية، ذوقه القرائي، وكذا حساسيته الروحية، تأثره السريع، معاناته مع المرض، وشعوره الدائم بالاغتراب والملل، كما نكتشفه كشاب عاشق، وكاتب مبتدئ لا يحلم بالمجد والشهرة، أو باعتراف النقاد والكتاب الكبار، بقدر ما يحلم بإنجاز تحف أدبية على درجة كبيرة من الكمال، لذا نجده يقرأ كثيرا ويكتب قليلا، ويمضي الكثير من الوقت في إعادة كتابة وتنقيح مسوداته، كونه يقدس للغاية مهنته ومهمته ككاتب، ويؤمن بضرورة التناغم المثالي بين الأفكار والأسلوب..
لقد اتفق النقاد على أن فلوبير هو أعظم مبدع كَتب الرسائل، بشغف وصدق وعبقرية ودونما مواربة، بل بالنسبة إلى الكثيرين فإن عذوبة مجموعة رسائله تضاهي جمالية رواياته، وهنا، عبر هذه المجموعة من الرسائل إلى حبيبته الشاعرة لويز كوليه، نكتشف بدايات قصة الحب الأكثر تأثيرا في حياة هذا الروائي الناشد للكمال، هذه القصة الرائعة، المحمومة، المعقدة، والجحيمية في آن واحد، والتي يشاع أنها ألهمته كثيرا في بناء شخصيته الروائية الشهيرة “إيما بوفاري”.